الرئيسية / مصر / لماذا نجحت تونس وتعثرت مصر بقرض صندوق النقد

لماذا نجحت تونس وتعثرت مصر بقرض صندوق النقد

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 25-04-2013
  • 112
لماذا نجحت تونس وتعثرت مصر بقرض صندوق النقد
  • المصدر: موقع الأناضول

منذ اللحظات الأولى لنجاح الثورات العربية، أعلن صندوق النقد الدولي استعداده لمنح هذه الدول مساعدات لتفادي المشكلات الاقتصادية التي تواجهها، إلا أن هذا العرض أنجز على وجه السرعة في اليمن، وفي دول عربية أخرى مثل الأردن والمغرب، بينما ظلت تونس ومصر تتفاوض لنحو عامين، دون أن يتوصلا لاتفاق مع الصندوق، بسبب العديد من الأحداث السياسية في البلدين.

وخلال الأيام القليلة الماضية تم التوصل لاتفاق بين صندوق النقد والحكومة التونسية، تحصل تونس بموجبه على قرض بنحو 1.7 مليار دولار، إلا أن هذا الاتفاق الذي حظي برضا الطرفين، سوف يعتمد من قبل مجلس إدارة صندوق النقد الدولى فى اجتماعه بواشنطن في مايو/ أيار المقبل.

مؤشرات الاقتصاد التونسي

في الوقت الذي يبلغ فيه الناتج المحلي الإجمالي لتونس نحو 46.4 مليار دولار حسب تقديرات عام 2011، نجد أن عجز الموازنة وصل إلى نحو 7%، كما بلغ الدين العام الكلي نسبة تتجاوز 126 % من الناتج المحلي لنفس العام.

ونظرًا للأجواء السياسية والأمنية غير المستقرة في تونس، لا يزال معدل البطالة مرتفعا، على الرغم من البيانات الخاصة بعام 2012 تشير إلى إنخفاض معدلات البطالة ليصل إلى 16.7% أي وجود 653 ألف عاطل، مقابل نسبة بطالة تقدر بـنحو 18.9 %، أي وجود 738 ألف عاطل في عام 2011.

ويرجع انخفاض معدل البطالة في عام 2012 إلى زيادة الأستثمارات الأجنبية المباشرة، مقارنة بما كان عليه الوضع في عام 2011، إلا أن معدلات التضخم لازالت عالية حيث تصل إلى 6.5 %.

لماذا نجحت تونس؟

على الرغم من الإعلان خلال الشهر الجارى عن موافقة صندوق النقد على منح تونس قرض بقيمة 1.7 مليار دولار، إلا أن الأحزاب التونسية المعارضة لم تبد موافقتها على هذا الاتفاق، بل أعلنت عن اعتراضها عليه، معللة ذلك بأن من شروط القرض أن يتم إلغاء الدعم عن السلع خلال 3 سنوات، وأن يتم فرض ضرائب إضافية.

وترى هذه الأحزاب، وبخاصة اليسارية منها، أن قرض الصندوق سوف يزيد من مشكلات الاقتصاد التونسي،الذي لا تنقصه مشكلات جديدة.

وهنا يثير تساؤل عن مدى حدوث نوع من التوافق السياسي في تونس حول قرض صندوق النقد الدولي، حيث كان صندوق النقد يتعلل بهذا الأمر، وبخاصة بعد حادثة اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد.

ولا زالت حالة الخلاف السياسي حول الحصول على القرض قائمة، ومع ذلك قبل الصندوق مجموعة الإجراءات التي قدمتها الحكومة التونسية والتى على أساسها وافقت بعثته الفنية على القرض.

والسؤال المطروح هنا هو :هل كانت مسألة التوافق السياسي التي اشترطها الصندوق من قبل، ترجع إلى مخاوف بشأن وجود حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني بعد حادثة اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد.؟،أم كانت شماعة من قبل صندوق النقد لاعتبارات خارج الحسابات الاقتصادية والفنية المتعارف عليها ؟.

وتقتضي الشفافية أن يعلن صندوق النقد عن أسباب التنازل عن شرط تحقيق توافق من قبل الأحزاب السياسية التونسية على اتفاق القرض.

الإجراءات التونسية

 حسبما هو معلن من قبل مسئولين تونسيين، فإن مجموعة الإجراءات التي قدمتها الحكومة التونسية للصندوق تتمثل في ترشيد الدعم المقدم للمحروقات "مشتقات البترول"، دون المساس بالدعم الخاص بالسلع الغذائية، على أن تقوم الحكومة التونسية بتخفيض قيمة الدعم المدرج بالموازنة العامة بنحو 250 مليون يورو هذا العام، علمًا بأن فاتورة الدعم الخاص بالمحروقات والسلع الغذائية تبلغ نحو 5.2 مليار يورو.

وفى المقابل نفي المسئولون التونسيون أن تكون هناك شروطا من قبل صندوق النقد الدولي بخصوص تخفيض أعداد العاملين بالجهاز الحكومي والبالغ عددهم نحو 560 ألف عامل، وتم التأكيد على أن مجموعة الإجراءات المتخذة بشأن إصلاح العجز بالموازنة العامة للدولة،هي من صنع الحكومة التونسية، وليست شروطًا لصندوق النقد. 

لماذا تأخرت مصر؟

اذا انتقلنا لحالة مصر نلحظ أن التردد من قبل القيادة السياسية في الفترة الانتقالية التي قادها المجلس العسكري ساعد على إضعاف الملف المصري أمام البعثات الفنية المتتالية لصندوق النقد المصري، حيث كانت المؤشرات الاقتصادية الكلية في مارس/ أذار 2011 أفضل بكثير من الوضع بعد هذا التاريخ.

 ومن أبرز هذه المؤشرات احتياطي البلاد من النقد الاجنبى الذى كان يزيد عن الـ 22 مليار دولار فى حكومة الدكتور كمال الجنزورى، وكان العجز بالموازنة في معدلات لا تتجاوز 10%، وغير ذلك من المؤشرات الجيدة ،لذلك كان الصندوق على استعداد تام لتقديم القرض في ذلك التاريخ، إلا أن الرفض المصري بالمرة الأولى، ساهم في إضعاف موقفها في المفاوضات اللاحقة، حيث تدهورت المؤشرات الكلية للاقتصاد المصري، مما تطلب وجود إجراءات إصلاحية بالموازنة العامة للدولة، لها تكلفتها السياسية والاجتماعية.

وتوجد ملفات ضاغطة على الحكومة المصرية، تجعلها تتحسب كثيرًا في طرح مزيد من الإجراءات التي تحد من العجز بالموازنة العامة، وبخاصة ما يتعلق بالوضع الضريبي، أو ملف الدعم.

 وعلى الرغم من التحسن الملحوظ في حركة النشاط الاقتصادي، إلا أن معدلات النمو لازالت منخفضة مقارنة بما كانت عليه الأوضاع قبل الثورة، ولا يتوقع أن تتجاوز معدلات النمو عن 2.5 % مع نهاية يونيو/ حزيران 2013.

وأيضًا ملف الدعم، وما يشمله من رقم ضخم يخص دعم الطاقة الذي تجاوز 125 مليار جنيه مصري تعادل 18.11 مليار دولار، يفرض تعاملًا خاصاً من قبل الحكومة، بسبب ارتباط العديد من الأنشطة الاقتصادية بالحصول على مواد الوقود المدعومة،وهذه الأنشطة تخص الطبقات الفقيرة، والشرائح الأدنى من الطبقة المتوسطة.

أيضًا اضطراب الأوضاع السياسية نهاية عام 2012 كرثت لدى الصندوق الكثير من المخاوف، من قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها وتنفيذ ما تقترحه من إجراءات ،وذلك بعد التوسع في التعيينات بالجهاز الحكومي، وتجاوز العجز بالموازنة معدلات وصلت لنحو 11% في نهاية يونيو/ حزيران 2012، وكذلك تجاوز الدين العام المحلي ليصل إلى 1.3 تريليون جنيه تعادل 188.4 مليار دولار في نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2012.

ثمة حالة من الحرص من قبل مصر وصندوق النقد الدولي على استمرار المفاوضات، وعدم الإعلان عن الفشل في التوصل لاتفاق، فكلاهما يحتاج إلى الآخر، فمصر تحرص على ألا تصل رسالة للسوق العالمي أنها غير قادرة للتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد، لما يترب على ذلك من تداعيات اقتصادية سلبية، في مقدمتها، التصنيفات الائتمانية السلبية سواء للاقتصاد أو البنوك المصرية.

وكذلك صندوق النقد لديه حرج من أن يفشل في مساعدة دول الربيع العربي، وبخاصة مع دولة بحجم ودور مصر الأقليمى.

ولكن يتوقع أن يتم الوصول لاتفاق قريب بين مصر والصندوق، حيث مررت مصر بعض الإجراءات التي كانت قد أعلنت عنها، ثم جمدتها في نهاية عام 2012، بخصوص الضرائب.

فتم اعتماد تعديلات ضريبة الدمغة، بمجلس الشورى خلال الأيام القليلة الماضية، وكذلك تم انجاز جزءا كبيرا من تعديلات قانون الضريبة العامة على الدخل، إلا أن الضريبة العامة على المبيعات، لازالت تنتظر موافقة مجلس الشورى عليها.

ويتصور في ضوء تصريحات وزير المالية المصري أن يتم تمرير التشريع الخاص برفع قيمة الضريبة العامة على المبيعات.

وفي ضوء هذه التعديلات وتقديم مصر تصورها لإدارة ملف الدعم، يتوقع أن يتفق الطرفان على القرض المقدر بنحو 4.8 مليار دولار.

وكان محافظ البنك المركزي المصري قد أعلن أن تأخر حصول مصر على القرض إلى ما بعد شهر مايو القادم، قد يزيد من قيمة القرض الذي تحتاجه مصر ليتجاوز 5.8 مليار دولار، ومن ثمة قد يستمر مارثون التفاوض لشروط ومتطلبات وإجراءات أكثر وهو ما سيزيد من تعقيدات الأمر.

المخرج الحقيقي

لا ينكر أحد أهمية حصول كل من مصر وتونس على قروض صندوق النقد الدولي، لما يعانيه الاقتصاد في البلدين من أزمة تمويلية خانقة.

ولكن الأمر في النهاية يتطلب قرارًا حاسمًا، وأن هناك تكلفة لابد من تحملها، يترتب عليها إصلاحات حقيقية لترشيد النفقات، وزيادة الإيرادات.

وإن كانت التكلفة السياسية لمتخذى القرار عالية المخاطر، وبخاصة في ظل الأداء الاقتصادي غير المنتعش حاليًا، واقتراب الانتخابات البرلمانية بالبلدين.

ولكن الأهم من ذلك أن تعود الموارد الاقتصادية الداخلية والخارجية لأدائها الطبيعي في البلدين، وأن ترتفع معدلات النمو الاقتصادي، ونشاط السياحة، والاستثمارات الأجنبية المباشرة.

وذلك لكي يتم استيعاب العاطلين الذين تتزايد أعداهم يومًا بعد يوم، في ظل تدفق الداخلين الجدد لسوق العمل، وبخاصة من الشريحة الشبابية، التي كانت وقود الثورة في البلدين.

وهذه العوامل من شأنها أن تحسن من الأوضاع الاقتصادية، وتوجد حالة أكثر استقرارًا في كل من مصر وتونس.